الأحد 03 سبتمبر 2023 الساعة 04:30 م

مقالات وآراء

معبر رفح ينتظر قراراً سيادياً يسترجع الكرامة العربية

حجم الخط

معبر رفح ينتظر قراراً سيادياً يسترجع الكرامة العربية

د.يوسف موسى رزقة

وزير الإعلام السابق
 
ليس للعرب حالياً إطار جامع أفضل من جامعة الدول العربية وإن تباينت المواقف منها. الجامعة العربية إطار صالح للدفاع عن مصالح البلاد العربية وشعوبها. نعم يعتري الجامعة العربية ضعف وفتور مزمن أفقدها بعضاً من هيبتها ووظيفتها. أسباب الضعف والفتور متعددة، بعضها يرجع إلى الاختلافات البينية بين الأقطار العربية، وبعضها يتأثر بالضغوطات الخارجية، وبالذات الأمريكية. ومع ذلك تبقى الجامعة العربية الإطار الجامع المستقر أولاً، والإطار صاحب الصلاحيات والوظائف القومية ثانياً، وهي الإطار الذي يقف خارج المنافسة مع التكتلات العربية المستحدثة.
 
لقد رعت الجامعة العربية قضايا الأقطار العربية فنجحت حيناً وأخفقت أحياناً، ولعل قضية فلسطين، قضية العرب المركزية كانت أكثر القضايا حظوة وتداولاً على مائدة الجامعة العربية منذ تأسيسها، سواء على مستوى الصراع مع إسرائيل، أو على مستوى الخلافات الفلسطينية العربية، أو على مستوى النزاعات الفلسطينية الفلسطينية،إن دور الجامعة العربية ما زال حيوياً لخدمة القضية الفلسطينية لا سيما في السنوات المتبقية من هذا العقد، هذا العقد مرشح لأن يشهد محاولات (فلسطينية وعربية) للخروج من عنق الزجاجة باتجاه إيجاد الحل في مستوى الحد الأدنى المقبول عربياً وفلسطينياً، وهو مرشح لأن يشهد انتهاء حقبة الحروب الاستباقية في المنطقتين العربية والإسلامية التي تبناها جورج بوش والمحافظون الجدد، ومرشح لأن يشهد تطورات مهمة في العراق وأفغانستان وتركيا وروسيا.
 
قادة الجامعة العربية من الملوك والرؤساء والأمراء لديهم (رغبة) في أن يُختم هذا العقد بحل يجسد مفهوم الحد الأدنى المقبول فلسطينياً وعربياً. ما من قائد عربي إلا (ويؤمن) بتحرير القدس بوصفها مفتاح الاستقرار وبوصفها جزءاً رئيساً في معادلة الحد الأدنى، غير أن ما ينقص (الرغبة والإيمان) العربي على مستوى القادة هو الأعمال على الأرض.
 
أعمال القادة العرب لا تراكم الخطوات الإيجابية باتجاه القدس وما احتل من أرض فلسطينية في العام 1967م. الشعب الفلسطيني عامة، وأهلنا في غزة هاشم (1.5 مليون نسمة) يراقبون موقف أمين عام جامعة الدول العربية، ومواقف القادة (الملوك والرؤساء والأمراء العرب) ويتفهمون رغبتهم وما يؤمنون به، ويقدرون الضغوط الأجنبية وبالذات الأميركية التي تعرقل تحقق الرغبة العربية، غير أن هذا (التفهم والتقدير) يتنازعها في النفس الفلسطينية قلق وأسئلة حائرة لا سيما في الأزمات الحادة كأزمة (معبر رفح) حالياً، بحيث تصبح النفس أسيرة منطقة (سوداء أو رمادية) في أحسن الأحوال، تتجه بصاحبها نحو اتهام النظام العربي والقيادة العربية والجامعة العربية والإعراض عن المعاذير، والضغوط الأجنبية، والأوضاع والمصالح الدولية.
 
بعض المتحدثين في ورشة عمل تناقش التطورات الأخيرة في غزة قال: كيف لنا أن نصدق أن القادة العرب يسعون لاستعادة القدس والأرض التي احتلت في عام 1997م وهم لا يعملون شيئاً إيجابياً ملموساً لتحرير معبر رفح الحدودي الذي هو معبر فلسطيني مصري باعتراف قيادات رسمية وصحفية إسرائيلية.
 
أنا مواطن فلسطيني مقيم في غزة وأعايش التطورات الأخيرة اقبل بأن يكون معبر رفح فلسطينياً مصرياً لخدمة المواطنين والخدمات الاقتصادية، مع تجنيب المعبر كل ما له علاقة بالسلاح والمتفجرات وأعمال المقاومة لتحقيق الحد الأدنى من الحرية لغزة. ليس صحيحاً أن المقاومة ترفض المعالجة الأمنية المنصفة للمعبر خدمة للمواطن والاقتصاد الفلسطيني وإدراكاً منها لطبيعة الوقائع على الأرض، وهكذا هو حال المقاومة الراشدة.جامعة الدول العربية والقيادة المصرية تدرك أن غزة بدون (معبر رفح) هو سجن لمليون ونصف المليون. ومصر تدرك أن (معبر رفح) ينبغي أن يكون بمعزل عن النزاع الفلسطيني الفلسطيني، وبمعزل عن تحكم إسرائيل وسياستها العنصرية في حصار غزة.
 
مصر الدولة القائدة والجامعة للعروبة أدارت قطاع غزة لعقدين من الزمن منذ (1948-1967) قبل أن تحتله إسرائيل، وهو ما رتب ويرتب مسئوليات خاصة على مصر (القيادة والشعب) بوصف أن قطاع غزة كان (وديعة) بيدها، وأن لها (مسئولية تاريخية) عليه لا تتناقض مع كون منظمة التحرير ممثلاً وحيداً للفلسطينيين بحسب قرارات القمم العربية.
 
إنه بحكم (أمانة التاريخ) ومفهوم (الوديعة والمسئولية) واعتبارات (النفوذ والأمن القومي) يمكن لمصر الدولة الرائدة والقيادة الجامعة للعروبة أن تخوض معركة (معبر رفح) مع إسرائيل من أجل تحرير المواطن الفلسطيني والاقتصاد الفلسطيني بعد انسحاب قوات الاحتلال منه. معركة المعبر ليست كبيرة، وليست معجزة، وهي من قضايا الممكن الذي يجد دعماً عربية وتفهماً دولياً، ويمكن أن نبني على دعوة أمين عام الأمم المتحدة (بان كي مون) الداعية إلى فتح المعابر في غزة كي يحيا الشعب الفلسطيني حياة كريمة.
 
لقد تمكنت القيادة المصرية بما يسكنها من حكمة التاريخ، والحنكة في إدارة الأزمات، من استعادة كامل تراب سيناء (بالقتال وبالحوار وبالتحكيم)، وأعتقد أن الظروف المحلية والدولية مناسبة جداً لأخذ خطوة سيادية جريئة باتجاه تحرير معبر رفح وإنهاء معاناة مليون ونصف من سكان قطاع غزة هم سند مصر ودرعها، لا سيما وان اتفاقية المعبر المبرمة بين الطرف الفلسطيني والإسرائيلي لم تلتزم بها إسرائيل بحسب تقارير الأمم المتحدة رغم أن مضامينها مجحفة بالحقين الفلسطيني والمصري.. آن الأوان في ظل الأزمة الإنسانية الأخيرة على معبر رفح أن تراجع مصر الاتفاقية مع الطرف الفلسطيني ولتعديلها بما يخدم المواطن والاقتصاد وفرص العمل ويحفظ الأمن، مع الأخذ بالحسبان أن الحدود في رفح هي حدود فلسطينية مصرية بحتة.
 
غزة تريد معبراً آمناً لأبنائها، ومعبراً حراً للاستيراد والتصدير، غزة تريد أن تكون شريكاً في التجارة العربية والسوق العربية، وبالذات المصرية كما كانت قبل الاحتلال، لا يعقل أن تكون تجارة فلسطين مع إسرائيل بمليارات الدولارات سنوياً، وتكون مع الأقطار العربية المجاورة بعشرات الملايين؟! ثمة خلل في معادلات التعامل يرتب استحقاقات عربية وفلسطينية لإصلاحه؟! إن تحرير معبر رفح بقرار سيادي أو بالمفاوضات بعد عام ونصف من الإغلاق شبه الكامل يمكن أن يكون عامل إقناع للنفس الفلسطينية التي يراد لها أن تبقى أسيرة الإحباط واتهام النظام العربي بالتخاذل والتخلي عن دوره؟!
 
النفس الفلسطينية تقول ماذا استفدنا من المبادرة العربية؟! وماذا استفدنا من قرار الجامعة العربية بكسر الحصار عن الفلسطينيين؟! وماذا استفدنا من اتفاقيات السلام التي عقدتها بعض الأقطار العربية مع إسرائيل؟! النفس تقول نريد عملاً صغيراً جداً هو بالطبع بالتأكيد دون تحرير القدس بمراحل، ودون قضية اللاجئين بمسافات.. نريد عملاً صغيراً وقرار سيادياً حكيماً يفك قيود معبر رفح أمام مليون ونصف المليون. النفس تسأل عن حكمة التاريخ، وعن منطق الواجب، وعن معنى العروبة وعن مفهوم القومية العربية، وعن اعتبارات السيادة، وعن أغاني التحرير، وعن مصر القيادة والشعب، والدولة الجامعة؟!!
 

إن قراراً مصرياً يحرر معبر رفح ويعيد له الحياة والكرامة سيحظى بتأييد عربي شامل واعتزاز فلسطيني بالدور الرائد لمصر، وسيعود بالنفع الاقتصادي والأمني والسياسي على الجميع، وسيرفع شطراً من الإحباط الذي تشعر به النفس الفلسطينية والعربية، وسيجعل الحديث عن المبادرة العربية وعن القدس حديثاً له معنى.