الإثنين 04 سبتمبر 2023 الساعة 04:21 ص

مقالات وآراء

أي «داعية» سلام نتنياهو

حجم الخط

ملأ رئيس الوزراء الصهيوني الدنيا صخباً وهو يحذر من «خطورة التحريض» الفلسطيني على «الإرهاب»، ويكاد لا يخلو مؤتمر صحافي يعقده مع المسؤولين الأجانب الذين يزورون إسرائيل دون أن يتوسع في الحديث عن هذه القضية. وقد وصل الأمر أن أعد ديوانه ووزارة الخارجية في تل أبيب إستراتيجية دعائية ودبلوماسية تهدف للفت أنظار العالم لما يوصف بأنه «تحريض فلسطيني على القتل».

وعلى الرغم من أن ما يصفه نتنياهو بـ»الإرهاب» هو حق مشروع في التحفيز على مقاومة محتل غاشم، إلا أنه يتناسى حقيقة أنه يقف على رأس كيان يوفر كل المقومات التي تضمن تعاطم التحريض على الإرهاب.

فعلى سبيل المثال، جميع الحاخامات الذين أصدروا مؤخراً فتاوى تحث على قتل الفلسطينيين وتحتفي بإحراق عائلة دوابشة هم موظفو دولة يتقاضون رواتب جزلة من الكيان الصهيوني. وعلى رأس هؤلاء الحاخام إسحاق غيزنبيرغ، الذي يدير مدرسة «عود يوسيف حاي» في مستوطنة «يتسهار»، المقامة على أراضي محافظة نابلس، حيث اشتهر غيزنيرغ بشكل خاص بفتاويه التي تحرض بشكل مباشر على قتل الفلسطينيين والفتك بهم. ففي مطلع العام 2013 أصدر غيزنيرغ ما يمكن اعتباره «المسوغ الفقهي» الذي عملت على أساسه مجموعات «شارة ثمن» الإرهابية اليهودية التي نفذت عشرات الاعتداءات في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وأحرقت عدداً كبيراً من المساجد وثلاث كنائس في الضفة الغربية وداخل المدن التي يقطنها فلسطينيو الداخل. وحسب غيزنيرغ، فإنه يتوجب تفهم جرائم «شارة ثمن» على اعتبار أنها «مقدمة طبيعية للخلاص اليهودي»، حيث عد هذه الجرائم بمثابة «المخاض الذي تمر به الأمة قبل تحقيق الخلاص». ومما يدلل على الرابط القوي بين هذه الفتاوى والتنظيمات الإرهابية حقيقة أن جميع الذين ثبت تورطهم في جرائم «شارة ثمن» هم من طلاب غيزنيرغ نفسه. وعندما تم الكشف عن هوية منفذي جريمة إحراق عائلة دوابشة سارع غيزنيرغ لتقديم الغطاء «الشرعي والفقهي» لطلابه، واعتبر أن هذه الجريمة كانت بمثابة تنفيذ لـ»فريضة شرعية». وتنبع خطورة فتاوى غيزنبيرغ في أنه يعد من أهم المرجعيات الدينية اليهودية على مستوى إسرائيل والعالم، ويتبعه عشرات آلاف من الشباب اليهودي. وقد سبق لغيزنبيرغ أن ألف كتاباً بعنوان «تبارك البطل»، خصصه لكيل المديح للإرهابي باروخ غولدتشاين، الذي أطلق النار في 25-2-1994 على المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل أثناء ركوعهم في صلاة الفجر، فقتل 29 منهم وأصاب العشرات. كما أن الحاخام دوف ليئور، الذي يعد أبرز المرجعيات الدينية لحزب «البيت اليهودي» المشارك في الائتلاف الحاكم في جريمة إحراق عائلة دوابشة؛ مع العلم أنه سبق أن وصف المجرم باروخ غولدشتاين بـ»الصديق» بسبب جريمته النكراء. وقد أثبت أن عدداً كبيراً من المرجعيات الدينية الوازنة تجاهر بتأييدها لجريمة إحراق عائلة دوابشة، مع أن جميعهم موظفو دولة.

وإلى جانب ضمان رواتب هؤلاء الحاخامات وتشغيلهم وعدم مساءلتهم، فإن هناك دعما سياسيا يحظى به الحاخامات من أصحاب فتاوى القتل. فقد خرج نتنياهو شخصياً عن طوره ممتدحاً الحاخام ليئور، ووصفه بأنه «الكتيبة التي تقود شعب إسرائيل»؛ في حين وافق على القاء كلمة في مؤتمر نظمه الحاخام إسحاك غيزنبيرغ. وقد جاهر بعض الساسة الإسرائلييين بقبول مسوغات الحاخامات «الفقهية»، حيث اعتبر النائب بتسلال سموطريتش، الذي يرأس اللجنة الاقتصادية في البرلمان، وينتمي لحزب «البيت اليهودي» المشارك في الائتلاف الحاكم كتب مقالاً عدد فيه المسوغات التي تجعل إحراق عائلة دوابشة ليس عملاً إرهابياً.

لكن دعم المرجعيات الدينية التي تحث على القتل لا يقتصر على إسرائيل، بل تلعب الولايات المتحدة دوراً رئيساً في ذلك. فقد دل تحقيق نشرته صحيفة «هارتس» في عددها الصادر بتاريخ 19-12-2015 على أن الولايات المتحدة تقدم اعفاءات ضريبية لمنظمات يهودية أمريكية تدعم ملايين الدولارات لمنظمات يرأسها حاخامات يدعون لتدمير الأقصى ولمدارس دينية يديرها حاخامات يصدرون فتاوى تحث على قتل العرب، وضمنها مدرسة الحاخام غيزنبيرغ.

من هناك، لم يكن من المستهجن أن يخرج حاخامات ويجاهروا بأنهم إرهابيون ويحثون صراحة على الإرهاب. فقد كتب الحاخام مئير دفيد دركمان، عضو مجلس الحاخامية العليا والحاخام الأكبر لمدينة «كريات موسكين»، مقالاً في موقع «حباد أون لاين»، الذي يعبر عن حركة «حباد» الدينية بعنوان: «أنا إرهابي فخور»، عدد فيه الأسباب التي توجب، حسب وجهة نظره، ضرورة منح منظمة «لاهفا» الإرهابية اليهودية جائزة «إسرائيل» التي تعتبر أهم جائزة رسمية، بسبب دورها في تنفيذ الاعتداءات على الفلسطينيين في القدس المحتلة.

ظلت هناك حاجة لتذكير ممثلي دول العالم بما يصدر في إسرائيل من تحريض فج على الإرهاب، حتى يعرفوا أي «داعية سلام» نتنياهو هذا.