اذاعة الاقصى صوت تخطى الحدود

نشر 18 سبتمبر 2007 | 12:22

الحلم الذي ظل يراود الكثيرين أصبح حقيقة يوم 14/6/2003 حينما انطلقت موجات الأثير معلنة ميلاد إذاعة صوت الأقصى من غزة على موجة 90.5 FM ولتكسر بذلك حاجز الصمت والاحتكار الذي ظل سائداً لسنوات طويلة في قطاع غزة بسبب تخوفات الأجهزة الأمنية التي عملت جاهدة لمنع هذا الصوت من الخروج بل وقتله في مهده تحت دواع كثيرة من أبرزها التغطية على جرائمها و ممارساتها وفسادها الأخلاقي والوطني وبمحاربة الحريات العامة مكرسة مبدأ الرأي الواحد الذي يدور في فلك السلطة ويرفض أي صوت يتعرض لها أو ينقل صورة مخالفة للرواية التي تريدها، ولإدراكها بأن نجاح حماس في ميادين عدة سيتبعه بالضرورة نجاح إعلامي، وبأن استثمار الإذاعة سيختصر عليها الكثير من الجهد والوقت في إيصال رسالتها الدعوية والفكرية والجهادية، ولهذا سعت منذ اللحظة الأولى لطمسه ومحاربته، ومع بدء البث التجريبي لصوت الأقصى حتى اقتحمت قوى الأمن بتاريخ 25/6/2003 مقر الإذاعة في برج فلسطين وصادرت الأجهزة تحت مزاعم قانونية، و من هنا بدأت رحلة المعاناة لاسترجاع الصوت الذي صودر والأجهزة التي سرقت بعدما رأت القيادات الأمنية حجم الفرحة التي سرت في غزة بانطلاق إذاعة جديدة بعنوان إسلامي هادف يلبي رغبات الجمهور الذي مل الإعلام الهابط ويشبع أرواحهم بالكلمة الصادقة التي تخاطب الوجدان والعقل وتتحدث عن الدين والدنيا وتمزج بين مقاومة الاحتلال والفساد وبين البناء والتعمير على حد سواء وهو ما غاب لسنوات في الإعلام الرسمي.

ورغم أن المحاولات بدأت من اللحظة الأولى لاسترجاع الصوت إلا أن الاستجابة لها كان محدوداً تحت ذرائع واهية، و لكن الصوت عاد مرة ثانية بتاريخ 25/10/2003، وقد استثمر القائمون على الإذاعة فترة الحجب عن المستمعين لإعداد وتجهيز الدورة البرامجية الأولى وبمستوى يليق بما يطمح به الجمهور المتعطش للتميز والتجديد، وبعد شهرين من عودة البث المصادر انطلقت الدورة البرامجية الأولى بتاريخ 1/12/2003 بحلة متنوعة من برامج سياسية واجتماعية ونشرات إخبارية وتغطية للأحداث، وقد تعرف المستمعون لأول مرة على مجموعة من المذيعين ومقدمي البرامج الذين نالوا إعجابهم واستحسانهم وعلى رأسهم خالد راضي وسامح دلول ومحمود البيك وحازم الشعرواي و جنود كثر عملوا في الخفاء ومن وراء الكواليس لتطوير هذا الصوت تحت إشراف الأستاذ فتحي حماد رئيس مجلس الإذاعة يومها ورائد أبو داير ومحمد عزيز.

واصلت الإذاعة شق طريقها وباتت تحتل مكانة متميزة لدى المستمعين الذين قدروا الجهد الذي كانت تقوم به وخاصة مع تواصل العدوان الصهيوني واستهدافه لكل مقومات الحياة، وظهر الإبداع أكثر مع انطلاق الدورة البرامجية الثانية بتاريخ في 1/3/2004 والتي اشتملت على حلة جديدة من البرامج التي تنسجم مع احتياجات المجتمع والواقع، إضافة إلى التغطية المتواصلة للعدوان الصهيوني الذي نشط في تلك الفترة وكان للإذاعة الدور الأكبر في التحريض على الجهاد والمقاومة ورفع معنويات المواطنين وشد أزرهم بعيداً عن خطاب التثبيط والتوهين والضعف الذي كانت تمارسه بعض وسائل الإعلام المنسجمة مع سياسية المصالحة مع العدو واحترام اتفاقيات السلام المزعوم.

ولعظم دور الإذاعة في تلك المرحلة بدأت وسائل الإعلام الصهيونية بحملة تحريضية موجهة ضدها بعدما باتت تدرك خطورة هذا الأثير وقدرته على توجيه المواطنين وإدارة المعركة الإعلامية بمهارة عالية، فكانت التحليلات في مواقع الإعلام الصهيونية حول الإذاعة تزداد فبتاريخ 7/4/2004 طالبت بتدمير استوديوهاتها وإيقاف بثها بعدما أصبحت من أهم الوسائل المؤثرة في المجتمع، وقد استجابت طائرات الأباتشي لإشارات المراسلين الإعلاميين الصهاينة ففي الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة من مساء يوم الأحد 2/5/2004، دكت الطائرات الصهيونية بصاروخين مقر إذاعة الأقصى في الطابق الرابع عشر من برج فلسطين في حي الرمال بغزة ودمرت مكاتبها واستوديوهاتها بشكل شبه كامل وقد تواجد في الإذاعة يومها ثمانية من العاملين أصيب منهم ثلاثة بجراح طفيفة. وقد شكلت هذه العملية التحدي الأكبر لإدارة الإذاعة التي أقسمت على إعادة البث من جديد وعدم تأثرها بالتهديدات المتواصلة بحقها، فقامت بجهد كبير وبحث دؤوب عن مكان آخر يحتضنها بعدما عزف أصحاب الأبراج والعمارات المرتفعة عن استضافة الإذاعة تخوفاً من تكرار عملية القصف.

لم يقتصر دور قوات الاحتلال على قصف مقر إذاعة صوت الأقصى فحسب، حيث قامت بالتشويش على بثها عدة مرات وخاصة خلال عمليات الاجتياح و استغلال ترددها ونسبة المستمعين إليها بإرسال رسائل تحريضية ضد المقاومة والمجاهدين وبإرهاب المواطنين وتثبيطهم، كما لجأت قوات الاحتلال للتأثير على موجة البث الأولى، فأنشأوا إذاعة صهيونية تبث على نفس التردد، وبعد تغيير البث على موجة أخرى عاودوا استهدافها مرة أخرى ولمدة ثلاثة أيام متوالية إلى أن استقر التردد الجديد عند 106.7 FM.

استطاعت الإذاعة أن تجد البديل والمكان الجديد بالرغم من صعوبات البحث عن مكان آخر لتواصل مسيرتها الوطنية والاجتماعية والإنسانية وليظهر أداءها المتميز بسرعة رغم اضطراب عملها بسبب تغير موقعها، من خلال تغطيتها لعمليتين صهيونيتين واسعتين شمال وجنوب القطاع، فمع بدء العدوان على رفح في 17/5/2004 قامت الأقصى و بكامل طاقتها وإمكاناتها بمتابعة الأحداث الميدانية هناك لحظة وقوعها وعملت كوسيط بين هيئات الإغاثة والمواطنين ونوهت عن أماكن تواجد القوات الخاصة أو تحليق الطائرات، وبرز الدور الأكبر لها ولطاقمها وخاصة مراسلها عمر عوض الذي وصل الليل بالنهار خلال معركة أيام الغضب التي استمرت ل17 يوماً في شهر أكتوبر 2004، إضافة إلى تغطيتها لكافة التوغلات والاجتياحات وعمليات الاغتيال قبل انسحاب قوات الاحتلال من غزة، وقد كان لمراسليها محمد بلور وعادل زعرب وأيمن دلول وناهض الخطيب - الذي نجا من قذيفة سقطت بجانبه أثناء تغطيته لاجتياح في حي الأمل - كان لهم الدور الأبرز في متابعة الأحداث والتواصل مع المستمعين والمواطنين وبجهدهم حظيت الإذاعة بقبول كبير ونالت مكانة متقدمة ونسبة استماع عالية في صفوف المواطنين رغم وجود محطات منافسة لها.

لم يتوقف عمل الإذاعة عند مخاطبة المستمعين بل تواصلت معهم اجتماعياً من خلال أنشطة قامت بها، فنظمت المهرجان الإنشادي الأول في 5/3/2005 تشجيعاً منها للمواهب الشابة وتنمية لقدراتهم الإبداعية، ثم قامت بتاريخ 30/3/2006 بتنظيم مهرجانها الإنشادي الثاني الذي شارك فيه أكثر من 25 ألف مواطناً يتقدمهم رئيس الوزراء في الحكومة العاشرة الأستاذ إسماعيل هنية، كما أصدرت بعض الأعمال الفنية الخاصة بها ومن أبرزها ألبوم تناول هزيمة العدو في غزة وانسحابه من القطاع، كما رعت بعض الأصوات الشابة المتميزة وأصدرت لهم البومات وأناشيد منوعة، وعمقت حضورها أكثر مع مستمعيها من خلال البرامج التخصصية وخاصة برنامج وقفات مع الثانوية العامة الذي قدمه وسام عبد الحق على مدار 4 سنوات وشكل نموذجاً جديداً في المشاركة بين وسائل الإعلام المسموعة وطلاب الثانوية العامة 'التوجيهي' وقد حظي البرنامج بإقبال منقطع النظير من الطلاب وتم استنساخه في باقي المحطات الإذاعية التي استفادت من الفكرة، إضافة لبرنامج ضريبة المقاومة والانتصار، وأنين القلب للفنان نبيل الخطيب والبرنامج الاجتماعي طيور الرحمة الذي بدأه سامي عكيلة وأكمل مشواره خالد صافي وبرنامج نبض القلوب لأحمد المدني والبرنامج اليومي نسيم الصباح، وبرنامج أفنان وأغصان الذي ما زال يبث إلى اليوم وباقات متنوعة من برامج متميزة لمجموعة من المذيعين الشباب الذين قادوا العمل بمسؤولية كبيرة يتقدمهم الأستاذ إبراهيم ظاهر الذي تسلم إدارة الإذاعة واستطاع أن يسيرها مع المجلس التنفيذي بمهارة ومهنية جعلت إذاعته تتقدم في نتائج الاستطلاعات التي أجريت حول أكثر الإذاعات استماعاً في القطاع وقد ظهرت النتائج الايجابية في أكثر من مركز ومؤسسة كمركز القدس للدراسات والإعلام ومركز رؤى ومركز المستقبل للدراسات واستطلاعات الرأي ومؤسسة الثريا للإعلام، بل وكان للإذاعة حضوراً واسعاً في أبحاث التخرج من الجامعات.

وعلى الرغم من الدور الوطني الكبير للإذاعة ونيلها لثقة المواطن وحصولها على نسب متقدمة بين المحطات الإذاعية في الضفة والقطاع إلا أن التهديدات تواصلت بحقها بدءاً بمصادرة جهاز البث مع انطلاقتها مروراً ببيان صدر عن المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية الفلسطينية في حكومة قريع سابقاً بتاريخ 16/7/2005 م يتهم فيه الإذاعة بالتحريض وضرب الوحدة الوطنية وقد اعتبرت الإذاعة في ردها على البيان نفسها 'ملكاً لأبناء الشعب والقضية وبأن رسالتها الإعلامية صادقة مع اعتزازها بالرسالة الإعلامية الإسلامية'. وقد أثبتت المحطة بطلان هذه الاتهامات من خلال مشاركتها العديدة في أكثر من مرة في البث الإذاعي المشترك بالتعاون مع عدة إذاعات محلية للعمل على تقريب وجهات النظر بين التيارات المختلفة حين توترت الأجواء السياسية في غزة، ولم يتوقف الاعتداء عليها هنا بل ازداد خطورة عندما تم تهديد بعض المذيعين فيها بالقتل والاستهداف كما حدث مع أحمد زغبر وشادي شامية في ذروة أحداث القطاع في شهر 6/2007، وبملاحقة مراسليها بالضفة الغربية المحتلة وتشديد الخناق عليهم أو من خلال إطلاق الكلمات البذيئة أو التعرض لها بالتشهير والقذف على لسان بعض الشخصيات المسئولة ممن تنادي بحرية التعبير والرأي!! بل ووصل الأمر بالتهديد بحرقها وتدميرها.

حافظت إذاعة صوت الأقصى على تقدم مستمر وحظيت بمتابعة كبيرة من جمهورها الذي ظل في ازدياد دائم، وهذا ما جعل الكثيرين من الإعلاميين العاملين في إذاعات منافسة لها ينتقلون إليها ويرغبون بالعمل فيها، فانتقل من إذاعة الشباب إليها أحمد زغبر وخالد صافي وأحمد أبو دياب ومن إذاعة ألوان هاني المغاري ومن إذاعة الحرية محمد منصور ومن إذاعة العمال عيسى البطش ومن إذاعة القدس عبد الحليم جابر ومن إذاعة الشعب شادي شامية وغيرهم من الفنيين الذين أرادوا العمل فيها بعد ما حققته من نجاح كبير في الإعلام المحلي الفلسطيني وأثبتت الدور الحقيقي له، (.... فقد أعادت إذاعة صوت الأقصى للإعلام دوره في كشف الحقائق وتسليط الضوء على الكثير من المواضيع التي يحرص الكثيرون على عدم التعرض لها كملفات الفساد وانتقاد الذات، وشاركت الناس همومهم فكان لها الدور السباق في وصل المواطن بالمسئولين عبر الأثير ومحاولة حل مشاكلهم بدون تأجيل، وقد حملت هموم الأمة وأولت القضية الفلسطينية جل اهتمامها فكانت صوت المواطن الفلسطيني، وعملت دائماً على نشر الثقافة النابعة من ديننا وقيمنا ومبادئنا والمنسجمة مع أخلاقنا وعاداتنا)، وقد شاركت الإذاعة الحركة الإسلامية في أهم محطاتها وكان لها الدور الكبير في إيصال رسالتها في الانتخابات البلدية والتشريعية وظهر دورها الواضح في انسحاب جيش الاحتلال عن غزة وفي تطهير القطاع من قادة الانفلات والفوضى والانقلاب.

واصلت الإذاعة مشوار التطوير ولم تقف عند جمهور القطاع فحسب بل حاولت مراراً الوصول للمواطنين في الضفة الغربية المحتلة وقد تم لها ذلك بعد الجهود المضنية فقامت بشراء جهاز إرسال يغطي مناطق الوطن كله، كما سعت المحطة جاهدة لإيصال رسالتها إلى كل العالم عبر الشبكة العنكبوتية فأطلقت في شهر فبراير 2004 موقعها على الإنترنت إلا أنه استهدف من قبل العدو الصهيوني الذي قام بالإيعاز للشركة المزودة لخدمات الإنترنت بوقف التعامل معها وإغلاق الموقع فتوقف بعد شهرين من العمل وعمل الطاقم الفني بقيادة المهندس أشرف مشتهى المدير الفني للموقع الإلكتروني على استعادته مرة ثانية في شهر مايو 2004 إلا أنه استهدف مرة ثانية في مارس 2005 ودمر تماماً بعنوان
www.aqsavoice.ps إلى أن عاد مرة أخرى وبشكل أجمل في 1/9/2006 وبعنوان جديد حمل www.alaqsavoice.ps وتضمن إضافة إلى تغطية الأخبار أهم البرامج الإذاعية المقدمة ونبذة عن العاملين وأرشيف البرامج وغير ذلك.

إلا أن التجديد الأكثر بروزاً كان بتاريخ 12/12/2006 حينما تمكنت إدارة الموقع من إطلاق البث الإذاعي المباشر عبر موقعها الإلكتروني وليتمكن كل متصفحي الإنترنت في العالم من الاستماع للإذاعة ومتابعة تطورات الأحداث في غزة لحظة وقوعها وخاصة في أيام تطهير القطاع حيث تصفح الموقع أكثر من 23 ألف شخص وكان هذا بتاريخ 13/6/2007، ومنذ إطلاق البث المباشر عبر الإنترنت وحتى تجديد الموقع الالكتروني في 1/9/2007 أظهرت المتابعة تصفح أكثر من 1.3 مليون شخص له.

وكانت المفاجأة الأخيرة لإدارة شبكة الأقصى الإعلامية بقيادة الأستاذ فتحي حماد ومجلس إدارة الإذاعة في مشوار التطوير إطلاق البث الفضائي للإذاعة بداية شهر سبتمبر وليتسنى لكل العالم متابعتها من غزة عبر أجهزة الالتقاط الفضائي لقمر عربسات بدر 4 على التردد 12054 رأسي، وليكتمل الحلم مرة ثانية بانتشار صوت الحق والمصداقية والشمول طارقاً باب العرب والمسلمين أينما تواجدوا يحدثهم عن جهاد اليهود والمنافقين ويدعوهم للتحرك ونصرة مسرى رسولهم.

تواصل عطاء الإذاعة ولم يتوقف ,,,,, ولن يتوقف بإذن الله تعالى، واكتمل الحلم بإيصال الصوت خارج فلسطين المحتلة ولم يبق إلا أن ينطلق البث مباشرة من باحات المسجد الأقصى المبارك ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً.