لهذه الأسباب يعاقب الاحتلال 6 مدارس مقدسية عريقة

نشر 31 يوليو 2022 | 11:08

الجزيرة نت_القدس المحتلة.

أقرّت وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية يفعات شاشا بيتون الخميس الماضي إلغاء التراخيص الدائمة لمدارس فلسطينية بالقدس المحتلة بسبب ما قالت إنه "تحريض ضد الدولة والجيش الإسرائيلي في الكتب المدرسية".

وهددت شاشا بيتون بإلغاء رخصة كل مؤسسة تعليمية تحتوي مناهجها تحريضا على "دولة إسرائيل ورموزها".

جاء ذلك بعد سلسلة من عمليات تفتيش لتلك المدارس نفذها قسم التنفيذ في إدارة الرقابة والتطبيق في الوزارة الإسرائيلية، وصلت إلى حد انتقاء كتب من حقائب الطلبة داخل الصف الدراسي، واستدعاء مديري المدارس إلى لجنة استماع، لينتهي الأمر بحرمانهم من رخصة التشغيل الدائمة، واستبدال أخرى مؤقتة بها لمدة عام، تقوم المدرسة خلاله بإزالة المضامين شرطا لإعادة الرخصة.

المدارس المذكورة هي الكلية الإبراهيمية في حي الصوانة، والتي تأسست عام 1931، ومدارس الإيمان بفروعها الخمسة في أنحاء القدس المحتلة، والتي تأسست عام 1984. وتصنّف المدارس على أنها خاصة أهلية وتضم أكثر من ألفي طالب مقدسي وتتمتع بمعايير الجودة العالمية.

حاولت الجزيرة نت التواصل مع مديري المدارس لكنهم فضّلوا تأجيل التصريح للإعلام بسبب عدم إبلاغهم بالقرار مباشرة من وزارة الاحتلال، ومعرفتهم به عبر وسائل الإعلام فقط.

وزعم القرار الإسرائيلي أن "التحريض" ورد في بعض كتب الصف الثالث والسابع والتاسع عبر تمجيد الأسرى وكفاحهم المسلح ضد الاحتلال، واتهام الأخير بالمسؤولية عن أزمة الماء في أراضي السلطة الفلسطينية، والحديث عن احتلال فلسطين والجرائم بحق شعبها، وسرد قضايا النكبة والمذابح، والهدم والاعتقال والاستيطان وجدار الفصل العنصري، بالإضافة إلى عرقلة واستهداف الطواقم الطبية الفلسطينية.

ماذا يعني إلغاء الرخصة؟

تقول المديرة العامة لوحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ديما السمّان للجزيرة نت إن القانون الدولي يلزم الاحتلال بتوفير الخدمات شبه المجانية لأبناء المدينة المحتلة، ومنها مخصصات المدارس الخاصة التي تدفع بعد ترخيص المدرسة. وتضيف أن تلك المخصصات حق لا مكرمة، فالمقدسيون يدفعون الضرائب للاحتلال مجبرين.

وتحتاج المدارس لتلك المخصصات المالية بسبب بعض القوانين الإسرائيلية الملزمة بخصوص الحد الأدنى للأجور، وصندوق إنهاء الخدمة، وبعض المعايير المكلفة الأخرى، علما أن متوسط قسط الطالب فيها يصل إلى ألفي دولار سنويا، وبالتالي سيؤدي إلغاء الرخصة إلى رفع الأقساط أو تخفيض الرواتب لسد العجز الحاصل.

وستصبح المدارس بعد القرار الإسرائيلي أمام خيارين: الأول رفض تعديل المضامين وبالتالي إلغاء الرخصة وقطع المخصصات المالية، أما الثاني فهو القبول بتعديل المضامين، وزيادة احتمالية تسرب المنهاج الإسرائيلي إلى تلك المدارس، وتوالي التنازلات والتدخلات.

بعد إلغاء الترخيص والمخصصات، ستحتاج المدارس إلى تعويض ودعم مالي مواز من مؤسسات المجتمع المحلي والدولي، وستضطر إلى رفع الأقساط، وبالتالي حدوث هجرة طلابية نحو مدارس أقل قسطا، مثل المدارس التابعة لبلدية الاحتلال في القدس والتي تدرس المنهاج الإسرائيلي وتحظى بدعم مالي.

ابتزاز وتهويد

وتؤكد مديرة وحدة شؤون القدس بوزارة التربية والتعليم الفلسطينية ديما السمّان أن الاحتلال يبتز المدارس للقبول بتزوير المنهاج مقابل الترخيص، في مسعى لفرض سيطرته على التعليم في القدس، تطبيقا للخطة "الخمسية" التي خطط فيها تدريس المنهاج الإسرائيلي لـ98% من طلبة المدارس في القدس.

وفي سبيل ذلك، تضيف ديما أن الاحتلال يسعى منذ عام 1967 لفرض منهاجه الدراسي في القدس من خلال إعادة طباعة المناهج الفلسطينية الأصلية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بعد حذف المضامين الوطنية منها، وإضافة مضامين تهويدية أخرى، ومعاقبة المدارس التي لا ترضخ لذلك.

وردا على هذا التوجه، يقول أحد وجهاء القدس "لن نسمح بإغلاق المدارس التي تخرّج أجيالا بتربية وطنية وإسلامية صحيحة"، مؤكدا ضرورة الدعم الشعبي لتلك المدارس، وزيادة الدعم المالي من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بالإضافة إلى ضرورة رفض أولياء أمور الطلبة دس السم في عقول أبنائهم.

ويستدل على ذلك بتجربة ناجحة قبل نحو 5 سنوات في حي كفرعقب شمال القدس المحتلة، حيث حاولت بلدية الاحتلال فرض منهاجها في بعض المدارس، فامتنع أولياء الأمور عن شراء الكتب المحرفة لأبنائهم، بينما وُفّرت لهم الكتب الفلسطينية مجانا.

ويضيف أن "الاحتلال يدعم بسخاء المدارس الدينية اليهودية، ويرسخ روايته المزعومة في المناهج، بينما يحارب الحقائق الفلسطينية".

جدلية قبول التمويل

وبينما ينظر بعض المقدسيين لمخصصات المدارس المالية، باعتبارها حقا قانونيا مقابل الضرائب، نشأ تيار رافض يقول إن القرار الأخير هو نتيجة حتمية لقبول التمويل وتمكين الاحتلال من التدخل.

ويعبر الباحث زياد ابحيص عن ذلك بأن معظم مدارس القدس قبلت التمويل باستثناء أربع منذ عام 2012، وبالمقابل حافظ الاحتلال على دعمها غير المشروط لمدة 8 سنوات، حتى اطمأن إلى اعتمادها عليه ليشكل 30% من ميزانية بعضها، لتبدأ بعد ذلك مرحلة وضع شروط تدريجية لتهويد التعليم.

ويؤكد ابحيص أن المخرج موجود لكنه يتطلب الإرادة والتدرّج، مضيفا "لا بد أولا من استعادة وحدة قطاع التعليم بأذرعه الثلاث؛ الخاصة والتابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية ووكالة الأونروا، ثم التقشف وتقليل النفقات ثانيا، ثم استعادة التواصل مع العمق الشعبي العربي والإسلامي، ليستأنف الدعم ضمن شروط الكفاية ودون تعجيزه بالترف والكماليات".