استفاق
الشعب الفلسطيني صباح اليوم على نبأ استشهاد اثنين من شبابه المجاهد ، اللذين لن
يكونا الأخيرين في مسلسل الصراع مع دولة الاحتلال ، و الذي تصدّر فيه شعبنا
الفلسطيني ، و كان له وافر الحظ و النصيب من المعركة الكبرى بين الحق و الباطل ..
و لعلّ
المُحزِنَ المُفرِحَ في الآنِ ذاته ، أنّ الشهيدين لقيا حتفيهما بعد معركةٍ بطولية
و اشتباكٍ مسلّح غير متكافئٍ في القوى ، طرفاه يقفان على النقيض تماماً من حيث
الترسانة العسكرية ، فطرفٌ يمتلك أعتى أساطير السلاح ، و طرفٌ آخر متمثل بشخصٍ
واحد لا ثاني له سوى إيمانه بالحق و الشهادة ..
و لعلّ
الشهيدين أشرف نعالوة و صالح البرغوثي ليسا الأوّلَين في هذا النوع من المعارك ،
إذ أنّ شعبنا في الداخل الفلسطيني عوّدنا على شراسته في خوضِ مثل هذه الحروب .
و
بالعودة قليلاً إلى الوراء حيث العام 2016 ، نجد أنّ هناك معركةً مماثلة ، جرت
أحداثها بين الشهيد البطل محمد الفقيه و دولة الاحتلال الإسرائيلي التي راحت
تطارده شهراً كاملاً بعدما أقضّ مضجعها و دوّج جنودها الجبناء في موقعةٍ عصيبة
استمرت سبع ساعات ، استخدمت قوات الاحتلال فيها الطائرات و الصواريخ المحمولة
لتتمكن من هدم البناء الذي كان الفقيه يتحصن فيه و المؤلّف من أربعة طوابق ..
و اليوم
تتجدد المعركة ذاتها مع فقيهين جديدين هما البرغوثي و نعالوة اللذان استمرت
مطاردتهما قبيل استشهادهما برصاص جنود الاحتلال ..
و لو
تناولنا كل واحدٍ منهما على حدة ، فسوف نجد العزاء الذي يخفّف مِن وقعِ الفراق ..
فشقيقة أشرف نعالوة عثرت في دفتر مذكراته على رسالة خطية تركها الشهيد لعائلته قبل
مغادرته المنزل ، إذ كتب بخط اليد : "لا تبكي يا ورود الدار ، ظلك غني بغيابو
، و لمّا يعود من المشوار ، كوني الزينة ع بوابو "
و كأنّ
الشهيد نعالوة كان على يقين تام بأنه سوف ينالها ، و لذلك طلب من أفراد أسرته ألا
يبكوا و يلطموا إذا أتاهم نبأ الشهادة ، بل عليهم تزيين الدار بالورود و الرياحين
احتفاءً بهذا النصر المؤزر ، و لهذا فقد باشرت شقيقته المصون و على الفور تنفيذ
هذه الوصية ، إذ عبّرت عن فخرها و اعتزازها بنبأ استشهاد شقيقها أشرف ، و حمدت
الله تعالى أن أحيا شقيقها بطلاً و أماته بطلاً كما كان يتشهّى على الدوام ..
و أمّا
الشهيد الآخر فهو صالح البرغوثي ، و ما أدراك من هو صالح البرغوثي ؟؟ إنه ابن
أسرةٍ عريقةٍ في النضال و الكفاح ضد دولة الاحتلال ، أبوه هو عمر البرغوثي الذي
أمضى 26 عاماً في سجون الاحتلال بعدما أصبح مصدر قلقٍ و إزعاجٍ لهم ، و شقيقه هو
عاصم البرغوثي الذي أمضى 11 عاماً في السجون الإسرائيلية ، و عمّه نائل البرغوثي
أقدم أسير في العالم ، إذ تم اعتقاله عام 1978 ، في حين أطلق سراحه في صفقة وفاء
الأحرار عام 2011 ، و خاله هو الأسير المبعد عن قطاع غزة جاسر البرغوثي ، الذي
حكمت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي ثمانية مؤبدات ، بتهمة تشكيل مجموعة مسلحة
تابعة لكتائب القسام و التي قتلت أكثر من 18 إسرائيلياً ..
و أمام
هذه الأرقام و الشخصيات ، لابد من الاعتراف أنّ مثل هذه العائلة الضاربة في جذور
النضال و الصمود ، لا يمكن أن تهزم أو تُثنَى عزيمتها ، فإذا رحل صالح اليوم ، ففي
العائلة عشرات من أشباه صالح ..
لِرُوحَيْكما
الرحمةُ و السلام يا شهيدَي الخميس و شهيدَي الفجر ، و هنيئاً لشعبٍ إذا ما نبشَ
سجلّ الشهادة لديه ، وجدَ في أروقة السطور أسماءً ثقيلةً لا يمكن إدراك وزنها إلا
إذا وضعت في الكفة الأخرى للميزان شخصياتٍ عظمى أمثال محمد الفقيه و صالح البرغوثي
و أشرف نعالوة