الأربعاء 06 سبتمبر 2023 الساعة 04:37 ص

مقالات وآراء

مرحلة تطوي مرحلة

حجم الخط

 

قراءة التاريخ والمعرفة العميقة المستنيرة ذات البعد العلمي في فهم الأشياء ترينا أن الفرقة والاختلاف تهدر الطاقات وتضعف القدرات وتشتت الجهود وتبعثرها، مما يجعل حالة التقدم والتطور والانطلاق في سبات إلى حين حتى تنطلق من جديد وتنفض عن كاهلها تلك المرحلة المخجلة وذات المساوئ الكثيرة بما لها وعليها.
 
الحالة الفلسطينية خلال العام الفائت بينت للجميع أن الفرقة والاختلاف تضعف الموقف الفلسطيني سواء المفاوض أو المقاوم منه على حد سواء. وجود برنامجين مختلفين وفي حالة صراع محتدم وعدو يتربص بالجميع ولا يدع أحدا في حاله كل ذلك وأكثر منه أدى إلى تراجع في الحالة الفلسطينية والتي هي بأمس الحاجة لتوحيد الجهود والطاقات نحو الدولة والانعتاق من الاحتلال.
 
دعوة الرئيس الفلسطيني للشروع بالحوار وتجاوب حركة حماس السريع معها يدلل على انه لا يوجد ما تختلف عليه الحركتان الكبيرتان على الساحة الفلسطينية، خاصة أن الهدف واحد وهو تحرير فلسطين عبر التخلص من الاحتلال المذل وبناء الدولة القابلة للحياة. مكونات الشعب الفلسطيني كلها تشكل عائلة واحدة، في نفس البيت الواحد ترى أطياف العمل الفلسطيني المختلفة، فهذا يعمل مع حركة فتح والثاني يعمل مع حركة حماس، والثالث يعمل مع الجهاد أو الجبهة الشعبية، وهكذا.
 
وجود اختلاف في وجهات النظر وتعدد الأساليب في الخلاص من الاحتلال هي حالة عادية ومن طبائع الأمور بل وضرورية لدى أي شعب محتل، وهذا لا يستدعي الشقاق والخلاف والتفنن في تشويه سمعة الآخرين والذهاب بعيدا في قهرهم وإذلالهم. ما جرى في لبنان مع اختلاف الظروف والوقائع لهو خير دليل على ضرورة التعايش والعمل معا ضمن الحد الأدنى لما فيه خير البلد والوحدة والانطلاق للأمام، وهو درس جيد على ما يبدو أن الفلسطينيين وعوه جيدا  وأخذوا العبر سريعا منه وبدأت أجواء التفاؤل تسود في  الضفة والقطاع بعد خطاب الرئيس الفلسطيني وأنتعشت الآمال من  جديد بتصالح الأخوة.
 
أصل البلاء والشرور هو من الاحتلال ولولا وجود الاحتلال لما حصل ما حصل في قطاع غزة. الاحتلال هو المعني بتفريق  الأخوة عن بعضهم البعض، وهو المعني أن يخلوا له الجو ويحلوا له كما يشاء تحت قاعدة ديدن كل احتلال عبر التاريخ وهو 'فرق تسد'. كل  من ينكر أن الاحتلال ليس هو أصل الداء فهو مخطئ، فتصريحات صناع القرار لدى الاحتلال ترينا إلى أي  مدى هو يحشر  أنفه في  كل شاردة وواردة في  الشأن الفلسطيني فتارة يهدد بمنع أموال الضرائب لمجرد تصريح، وتارة يضغط حتى على الدول المجاورة لفعل كذا وترك كذا لخنق وحصار مليون ونصف فلسطيني أكثرهم من فتح وحماس، فلغة القوة ومنذ 41 عاما لا يتعامل الاحتلال إلا معها ولا يعرف سواها.
 
طريق الحرية وكنس الاحتلال ليس مفروشا بالورود. أي احتلال يحاول جاهدا أن يزرع في  الشعب المحتل أعوان له خاصة من ذوي المصالح، حيث يعمل الاحتلال على ربطهم به مما يجعلهم يقفون بكل  قوة ضد أي تيار أو مصالحة أو اتفاق يهدد مصالحهم، ونموذج العراق بات لا يخفى على أحد. في المحصلة لا يمكن لأي  محتل أن يعطي ما لديه من انجازات وحقوق لأي طرف دون وجود ما يجبره على ذلك، فتحت ضغط الانتفاضة الأولى اجبر على إعطاء ما أعطاه، وتحت وقع ضربات المقاومة اللبنانية اجبر على ترك جنوب لبنان، وتحت ضغط مقاومة غزة وعلى رأسها حركتي فتح وحماس وغيرها من الفصائل أجبر على ترك القطاع بعد أن بات مشروع خاسر لهم ولا يدر ربحا، وترك خلفه مستوطنات كان أبو الاستيطان الإرهابي والمجرم شارون قد بناها بيديه.
 
لا تكفي الآمال والدعوات بنجاح الحوار، بل يجب أن نعقد النية والعزم على الخلاص من كل خلاف ووقف الردح والتفنن في تشويه الآخرين. تعبنا من كثرة الضخ الإعلامي والشحن المتواصل لعبادة صنم كذا وصنم كذا، وكأن الآخر شيطان رجيم وأصل كل داء... وهو في  الحقيقة أخ ضحى وقدم  وما بخل لوطنه وقضيته.
 
على كل العقلاء الآن أن يتحركوا وتبدأ مرحلتهم الجديدة، فمرحلة السكون وترك الساحة للآخرين قد ولت، وان لم يتحركوا الآن فمتى يتحركون...؟! فمرحلة تطوي مرحلة وهي سنة الحياة. على من يوتر الساحة الفلسطينية الداخلية أن يتنحى جانبا مكرها ومجبرا من خلال الضغط الكبير من قبل العقلاء وكل الشرفاء على الساحة الفلسطينية.
 

من الآن فصاعدا عيب علينا أن نصغي أو حتى نسمح للكلام الفاحش والموتور والمفرق بين الأخوة، وعيب علينا ومن غير المقبول على الإطلاق أن يبقى الاحتلال يعد أنفاسنا ويدعس على صدورنا ويعري نسائنا في المعتقلات وعلى الحواجز ونحن نتقاتل فيما بيننا، وعيب علينا أن نرى الأمم والشعوب تتحرر من قيود الجهل والتخلف وتنطلق وتزدهر ونحن نفتش عن عيوب بعضنا ونتصيد هفواتنا ونبقى أضحوكة الأمم الشعوب.... فهلا تخلصنا من هذه العيوب إلى غير رجعة؟!