الأربعاء 06 سبتمبر 2023 الساعة 04:20 م

مقالات وآراء

الحراك الإسرائيلي تحسباً لقرب اندلاع الانتفاضة الثالثة

حجم الخط

تتابع المحافل الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية تطورات الأحداث الميدانية في الضفة الغربية، وتحاول جاهدة تهدئة الأمور من خلال اتصالات هاتفية مع الجانب الفلسطيني دون توقف، مع ملاحظة سخونة الأوضاع، واشتداد المواجهات على الأرض، قبيل الموعد المقرر لزيارة الرئيس "أوباما"، مع حرص شديد بأن تعيد الأمور إلى مربع الهدوء وسط قلق من اندلاع انتفاضة ثالثة.

 

وقد بدت المتابعة الإسرائيلية وسط تباين واضح في المواقف من تطورات الميدان، ففي حين اعتبر "يورام كوهين" رئيس جهاز "الشاباك"، أن التظاهرات وإلقاء الحجارة والمواجهات ستستمر لعدة أيام قادمة فقط، وبعد ذلك تسير الأمور باتجاه التهدئة، أوصت القيادة الأمنية والعسكرية بجملة من الخطوات لمنع اندلاع الانتفاضة وهي رفع الحواجز وتخفيف الضغط على السكان في مدن الضفة، ومنع الاحتكاك وتخفيف اصطدام المدنيين بالجنود، وعدم استخدام الرصاص الحي لمنع سقوط شهداء، والاكتفاء بالغاز والرصاص المطاطي.

 

إلى جانب الاعتماد على قوات تفريق الشغب المدربة، وليس على الجيش والجنود الذين ينفعلون ويطلقون النار ضد المتظاهرين، وإعادة الأموال المحتجزة في إسرائيل، وتسهيل حصول موظفي السلطة على الرواتب، ومحاربة ومنع اعتداءات المستوطنين، وأخيراً تحريك الملف السياسي والطلب من "أوباما" تقديم أي شيء للقيادة الفلسطينية!

 

مصادر مسئولة في تل أبيب رأت أن السلطة الفلسطينية تسيطر حالياً على مستوى "العنف" في المظاهرات الجارية في المناطق، معربة عن خشيتها من أن تفقد السيطرة على مجريات الأمور، وهي تحاول تنظيم احتجاجات شعبية ومنع عمليات مسلحة في مسعى لإعادة طرح القضية على جدول الأعمال الدولي تمهيدا لزيارة "أوباما"، وهو ما دفعها للطلب من الحكومة الإعلان عن الخطوات التي تنوي اتخاذها لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة، والكشف عن حقيقة الأوضاع في المناطق الفلسطينية، لأنها على فوهة انفجار شديد بسبب قصور الحكومة على الصعيدين الأمني والسياسي.

 

أكثر من ذلك، قدرت أوساط أمنية نافذة في دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن المنطقة تقع على حافة اندلاع انتفاضة ثالثة، مرجحة أن تكون أكثر دموية من سابقتيها، مما يتوجب على "نتنياهو" أن يقود عملية سياسية مع الفلسطينيين قبل أن يُملى عليه القيام بذلك.

 

وتحسباً من تفاقم الموقف، أصدر رئيس الأركان "بيني غانتس" تعليماته لقادة الجيش باستكمال كافة الاستعدادات الضرورية تحسباً لاستمرار المظاهرات والاحتجاجات، واندلاع انتفاضة جديدة يقوم بها الفلسطينيون، وتدهور الأوضاع أمنياً في الضفة الغربية، في ضوء ما ذكره ضباط إسرائيليون حول أن ما نراه من تظاهرات مقلقة في الضفة تتصاعد، وتأخذ طابعا أكثر جرأة، والأمن الفلسطيني لم يعد يمنعها من وصول الحواجز، موجّهين تحذيراً مبطنًا لقيادة السلطة بالقول: لديهم ما يخسرونه في حال تدهورت الأوضاع لانتفاضة ثالثة!

 

بغض النظر عن طبيعة التقدير الإسرائيلي للأحداث الدائرة في الضفة الغربية، فإن هناك إجماعاً يكاد يكون غير مسبوق بأن العلاقات مع الفلسطينيين قد تنزلق لدوامة من تصاعد العنف، بسبب هشاشة الوضع الاقتصادي في أراضي السلطة، وقضية الأسرى، وممارسات (تدفيع الثمن) لعناصر إسرائيلية متشددة، فضلاً عن مشاريع البناء في المستوطنات، وهو ما يدفع بقيادة الجيش والشرطة لمواصلة تأهبهما واستعداداتهما لأي تطورات في المناطق الفلسطينية.

 

بل إن التحذيرات من اندلاع موجة انتفاضة في المنطقة، تنطلق من أن احتمالاتها تشبه إلى حد كبير تلك التي سبقت الانتفاضة الثانية عام 2000، ليس فقط في الضفة الغربية، بل في فتح جبهة على الحدود الشمالية مع لبنان، أو الجبهة الجنوبية مع غزة، وفي حال لم يحدث تقدم في العملية السلمية، ويُقدِم محمود عباس على الاستقالة، فإن الضفة ستشهد موجة عنف، خاصة في مخيماتها، وعلى كافة الطرق الالتفافية التي يمر عليها المستوطنون، والجيش يستعد لمواجهة هذا التطور.

 

ما يعني أن الطريق السريع للانتفاضة مفتوح على مصراعيه، وما حصل من استشهاد المعتقل من شأنه أن يصبح رصاصة الانطلاق! ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه عند اندلاع الانتفاضة الأولى كان الجيش يُسيطر على مدن الضفة، ومسئولا عن تفعيل الحياة اليومية للسكان، والحفاظ على حياة المستوطنين، وانشغاله التام بالحفاظ على مقرات الحكم العسكري ومنع الجماهير الغاضبة من وصولها، ومحاولاته البائسة في الحفاظ على سير الحياة العامة، وهو الأمر الذي فشل فيه! فهل يتكرر الموقف في الانتفاضة الثالثة؟