الأربعاء 06 سبتمبر 2023 الساعة 12:34 م

مقالات وآراء

تفاقم ظاهرة استهداف المستوطنين في الضفة الغربية

حجم الخط

جاء مفاجئًا نبأ الخلافات الحادة بين وزارتي الجيش والمالية (الإسرائيليتين) بشأن تكلفة تحصين سيارات المستوطنين في الضفة الغربية؛ خشية من العمليات المسلحة التي ينفذها الفلسطينيون ضدهم، إذ اتهمت الأولى الثانية بعدم تحويل 5 ملايين شيقل مخصصة لهذا الغرض، علمًا بأن الحكومة تحصن سيارات المستوطنين على حساب ميزانية الجيش، لكن بسبب الهدوء النسبي الذي شهدته الأعوام الأخيرة؛ تراجع طلبهم على تحصين سياراتهم، رغم تنامي الظاهرة في مناطق مختلفة من الضفة.

 

ولعل ما فاقم من القلق (الإسرائيلي) من استهداف المستوطنين في الضفة الإحصائيات التي أعلنها جهاز (الشاباك) الأمني، وأكدت أن عدد عمليات المقاومة ضدهم تزايدت منذ العملية العسكرية (عامود السحاب) على قطاع غزة قبل ثلاثة أشهر، إذ شكلت الحرب دافعًا للمنظمات الفلسطينية في الضفة، سواء كان عبر إلقاء الحجارة، أم الزجاجات الحارقة، وأحيانًا إطلاق الرصاص، بشكل لم نشهده من قبل، فالجيش رصد ارتفاعًا بنسبة 300% في العمليات!، ما يؤكد أن المنظمات الفلسطينية أخذت أبعادًا متقدمة في استخدام أساليب جديدة ومتطورة لاستهداف الجنود والمستوطنين في الضفة، وربما ما ساعد في حدوث هذا التطور امتلاكها العتاد والتسليح على قلته.

 

ولعل المظهر الغالب على العمليات المسلحة السائدة في الضفة الغربية في الآونة الأخيرة يكمن في إطلاق النار التي تطال قوات الاحتلال، ومواقعه العسكرية، والمستوطنين ووسائل نقلهم ومواصلاتهم، فهو أسلوب قد لا يحتاج لكثير عناء أو تخطيط، مقارنة بأشكال العمل الأخرى التي تتطلب الدقة والتخطيط السليمين لضمان نجاح التنفيذ، كالعمليات الاستشهادية واقتحام المستوطنات ووضع العبوات الناسفة.

 

ومن الملاحظ أن إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة يحدث بشكل شبه يومي، وبصورة متزايدة نسبيًّا، مقارنة بالأشكال والوسائل الأخرى، وتحمل الإحصائيات (الإسرائيلية) والفلسطينية أرقامًا ملحوظة لإجمالي حوادث إطلاق النار التي تتم ضد أهداف عسكرية واستيطانية.

 

وتتنوع الاستهدافات الفلسطينية للأهداف (الإسرائيلية) في الضفة الغربية، لتأخذ شكل إطلاق النار على مستوطنة حينًا، وعلى موقع أو برج عسكري حينًا ثانيًا، وعلى قافلة أو سيارة عسكرية أو استيطانية حينًا ثالثًا، أو أي هدف (إسرائيلي) يتاح للفصائل الفلسطينية المسلحة، وقياسًا لمستوى هذه العمليات وتخطيطها وطبيعة الهدف الخاص بها تكون نتائجها، فالتخطيط الجيد يقود لتنفيذ جيد، وبالتالي إلى نتائج جيدة في معظم الأحيان.

 

وهذا اللون من العمليات يقدر عليه الجميع، فلا يقتصر فقط على ذوي الانتماء الحزبي والتأطير التنظيمي، والعاملين في الخلايا المسلحة، الذين تسعفهم حدود قدراتهم وإمكانياتهم وتمكنهم من تخطيط وتنفيذ العمليات الاستشهادية، واقتحام المستوطنات النوعية، وإطلاق القذائف، بل يجري الأمر على أي فلسطيني يريد التصدي للاحتلال، ليحوز السلاح بداية، ثم ينقض على أي هدف (إسرائيلي)، عسكريًّا كان أم استيطانيًّا، بأقل قدر من التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تفرض نفسها في سلك العمل المسلح المنظم.

 

وقد تمثل تحول المسلحين الفلسطينيين بالضفة الغربية في أسلوب عملهم في تكتيك جديد يقوم على عدّ البندقية أفضل من القنبلة، وهو خطوة قد تؤدي لتسهيل العمليات ضد الجيش والمستوطنين من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على قدر أكبر من التبرير السياسي.

 

ومع ذلك، إن الأساليب الفلسطينية تتغير معتمدة على أوضاع الساحة الميدانية، ففي حين تتطلب الهجمات الاستشهادية بالقنابل فريقًا وخبرة، إن الهجوم بالزجاجات الحارقة والبنادق أسهل في التنفيذ، وهو ما يقلق الاحتلال من هذه الخلايا المتخصصة بالكمائن والقنص؛ لأنها تنتقي نوعية الأهداف التي تختارها، وخبرتها وقدرتها تشيران إلى قدرة عسكرية متنامية.

 

فكل العمليات التي وقعت في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة كانت بحاجة إلى رصد، وإعداد، ومنطقة داعمة تمكن "السمك من الغوص في مياهه"، ويتضح من المعطيات الميدانية في الضفة اتساع ما يمكن أن يسمى "مؤشّر الخوف"، إذ إن دوريات عسكرية (إسرائيلية)، ودبابات تساندها المروحيات بدأت بمهام غير اعتيادية من حيث المسؤوليات والمهام الميدانية، واتساع الدائرة في المستوطنات، ومحيطها وكل الطرق والمعابر المؤدّية إليها، واعتماد أسلوب التمويه لإعطاء الصورة للخلايا الفلسطينية، وفرق الرصد وجمع المعلومات بوجود أنماط جديدة وشديدة من التيقّظ والحمايات الأمنية والحراسات؛ للحيلولة دون أن يتمكّن أحد من تنفيذ أية عمليات، سواء كانت عسكرية أم أسر؛ تمهيدًا لتبادل أسرى.