الأربعاء 06 سبتمبر 2023 الساعة 12:34 م

مقالات وآراء

العوائق التي قد تعترض التوجه العسكري (الإسرائيلي)

حجم الخط

 

تكاد تجمع المحافل العسكرية (الإسرائيلية) على أن "معركة عسكرية واسعة" قد تبادر إليها مع تحقق الربح الإستراتيجي السياسي منها أمر محدود جدا على ضوء أنّ منظومة صواريخ المقاومة تتمتع بأفضلية عظيمة، لأنها منتشرة في عمق لم يسبق له مثيل، كما إن الانتصار على حركات المقاومة بسلبها قدرتها على العمل ضد (إسرائيل) بسلاح صاروخي، ليس عمليا في زمن وكلفة معقولين.

 

ولذلك يمكن المس بهذه الحركات والقوى والإضرار بها والتأثير زمنا ما في سلوكها، ولكن يصعب تخيل معركة عسكرية ينشأ على أثرها واقع سياسي أساسي مختلف يكون أفضل بالنسبة لـ(إسرائيل) بحيث تحاول الاختيار بين معركة واسعة يدفع فيها الطرفان أثمانا باهظة، وبين معركة محدودة تكون أثمانها لهما محدودة، ولكن تكون النتيجة السياسية القصوى مشابهة كما يبدو للوضع القائم ومحدودة على كل حال.

 

ويعلم أنه يمكن أن تُسلب القوى الفلسطينية المسلحة قدرة العمل الصاروخي، ولكن ذلك مقرون بالسيطرة على قطاع غزة وتطهيره، وإذا احتله الجيش فستنشأ مشكلة: "ماذا نفعل بغزة في اليوم التالي"، والأهم أنه يصعب حل مشكلاتها الأساسية بمعركة عسكرية، لأنه يوجد اجتماع مزدحم لسكان فلسطينيين يعانون قلة التطور البشري والمدني والاقتصادي وذوي ثقافة معادية في جوار جغرافي لقلب (إسرائيل).

وحتى لو جاء الإنجاز العسكري المحتمل في غزة مرضي من الناحية العملياتية فإنه يصعب في هذا الشأن رسم "وضع نهاية" سياسي يجسد واقعا مستقرا متصلا أفضل لـ(إسرائيل).

 

في المقابل، يمكن القول إن الانجاز المتوقع من مواجهة الفلسطينيين عسكريا قد يكون ثمنه تدهور العلاقات بمن تبقى من حلفاء إقليميين ودوليين، وهنا يطرح السؤال: هل هناك داع للمخاطرة بضعضعة العلاقات بتلك الدول التي قد نسبب لها زعزعات داخلية لنحرز إنجازا محدودا عابرا فقط في مواجهة العدو؟

كما إن ازدياد وزن الرأي العام في تقديرات متخذي القرارات العرب يعني احتمال ضغوط فعالة عليهم حين يقع ضرر محيطي، وفي الواقع المتشكل يوجد معنى لشرعية ما من الشارع العربي، وهذا سقف أعلى بكثير يصعب على استعمال (إسرائيل) للقوة العسكرية أن يثبت له إذا كان ذلك ممكنا أصلا.

 

وعلى سبيل المثال: تحليل حرية عمل حماس ليس سهلا، فالمنظمة تواجه عوامل مختلفة، وينبغي الأخذ بعين الاعتبار تغير الواقع المحيط بها، وزيادة وزن الحركات الإسلامية بمصر، وضعف محور (تل أبيب)-القاهرة، وتضعضع الحكم في سيناء، وبالنتيجة فإن لها الآن على الأقل صلات مع طهران والقاهرة وأنقرة، فضلا على أن التقارب المتزايد بين حماس والإخوان المسلمون قد يدفعها لاستعمال منظومتها الصاروخية في نطاق لا تترك لـ(إسرائيل) فيه مناصا سوى الخروج بعملية واسعة في القطاع، وفي هذه الحال ينبغي فهم "الشرك" السياسي الذي تبثه حماس، ما يتطلب من (تل أبيب) الامتناع عنه قدر المستطاع!.

 

على الأصعدة العسكرية العملياتية الميدانية، (إسرائيل) ترى أن إدراك الثمرات السياسية الإستراتيجية الممكنة لعملية في غزة قد تكون ضئيلة فيما الكلفة واحتمال التعقد للعلاقات بالدول المحيطة قد تفضي بالمخطِّط العسكري لعدة استنتاجات أهمها أنه ينبغي في الظروف القائمة اليوم الامتناع قدر المستطاع عن خروج لمعارك واسعة قد يحدث فيها ضرر محيطي كبير، حين تقع حادثة عنيفة، أو يتقدر موقف بصورة عير صحيحة، واستعمال القوة بصورة تُمكّن من خروج سريع من دائرة العنف، وتمنع تصعيدا غير مرغوب فيه.

 

وفي حالة اختيار الفلسطينيين التصعيد عن عمد وقد تكون معركة واسعة محتومة، فإن ترى (تل أبيب) ضرورة توسيع النظرة، والفحص عن التأثير السياسي الإستراتيجي للخطة العسكرية في المنطقة كلها، وضمن ذلك الرأي العام في الدول المحيطة، وهنا يجب على الجيش الفحص عن خطط لحالات دفاعية، لأن المشكلة إزاء نموذج حرب غزة يُحتاج لتوضيح سؤال: ما هو جوهر الوضع الدفاعي معهما، فحين تهاجم (إسرائيل) بنيران صاروخية من عمق أراضيها لا يكون واضحا أي مضمون عملياتي خاص يمكن أن يُصب بحالة دفاع الجيش.

وهناك حاجة للتأثير في منظومة نيرانها، ولكن هذه المنظومات موجودة داخل أراضيها بصورة عميقة وبين سكان مدنيين، لذلك ينبغي الفحص: أهذه طريقة الاستخدام الممكنة الوحيدة للقوة في حالات الدفاع والهجوم الإستراتيجي، أم توجد سبل أكثر فعالية لاستعمال القوة؟!.