الأربعاء 06 سبتمبر 2023 الساعة 12:34 م

مقالات وآراء

التقييم الإسرائيلي للحرب على غزة يطالب بـ"استئنافها"

حجم الخط

 

ما إن توقف هدير الدبابات وأزيز الطائرة في غزة، حتى خرجت قناعات إسرائيلية في مختلف الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية، تجمع على أنها كانت حربا "واجبة الواقع"، لأن حماس عرضت (إسرائيل) وجيشها عاريين، عديمي الوسيلة، يجدان صعوبة في الرد، ويفقدان على نحو شبه تام قدرتهما على الردع، ولا يمكن لأي دولة السماح بوضع كهذا، وأن يظهر رئيس الوزراء ووزير الحرب، وبالتأكيد عشية الانتخابات، كغير قادرين وواهنين وعديمي الحيلة.

 

وفي وقت لاحق، بدأت عبارات المدح والإطراء يُغمر بهما الساسة والعسكريون الإسرائيليون عقب انتهاء الحرب على غزة، وما علموا أنه قد يحل محلهما عبارات أخرى إذا ساءت الأحوال الأمنية بعد ذلك، خاصة وأن "بنيامين نتنياهو" أخذ على سلفه "إيهود اولمرت" بأن حربه في شتاء 2008–2009 لم تحرز هدفها، لأن سلطة حماس لم يُقضَ عليها ولم تُسحق، وهو ما يستدعي التساؤل: هل كانت عملية "عامود سحاب" ناجحة أم فاشلة، وهل تبين لنا أنها كانت ضرورية أم غير ذلك؟ ستخبرنا بذلك الأيام القادمة.

 

والحقيقة أن حرب "نتنياهو" الأولى طابقت حرب "اولمرت" الثانية مُطابقة تامة: فقد جرتا في غزة، وفي الشتاء، بعد انقضاء تصعيد زاحف مشحون بالقذائف الصاروخية التي سقطت على بلدات الجنوب، ويحدث هذا عشية انتخابات الكنيست، ما يعني أنها كانت عملية عسكرية واسعة في توقيت سياسي حساس!

هنا يسألون: ألم يكن من الممكن تنفيذ سلسلة التصفيات قبل ذلك؟ لأننا جربنا غير قليل من جولات عنف قاسية في السنة الأخيرة وكانت السياسة دائما هي "الاحتواء"، ويمكن أن نسأل أما كان من المرغوب فيه أن ننتظر لما بعد الانتخابات، لأن الجعبري كان سيظل يتجول بسيارته في شوارع غزة؟

 

في ذات السياق، فإن التقييم الميداني لعملية عمود السحاب، ومدى نجاحها أو فشلها، يشير بالضرورة إلى أن ما جاء عقب اغتيال الجعبري كان أقل توقعا، فقد نجحت العملية الجراحية وماتت أشياء أخرى، بحيث يمكن اتهام صناع القرار في( تل أبيب) بالإحجام عن حلول أساسية مع حماس في غزة، فهم يريدون أن يكسبوا زمناً، ثم يضيعونه.

 

في هذه المرة كما المرة السابقة قبل 4 سنوات، لم يأخذوا من حماس وشريكاتها المسدس، بل المشط فقط، لأنه حينما يكون الهدف المعلن هو الهدوء من غير استغلاله للتقدم تكون النتيجة زيادة القوة، وفي المرة التالية سيأتي العدو أقوى مما كان قادرا على إطلاق الصواريخ أبعد، وفي كل عملية تعمل (إسرائيل) على رد العداد إلى الصفر، والى أن تأتي العملية القادمة يرتفع السعر!

 

وهنا يحظر الاستهانة بإطلاق صواريخ على (تل أبيب) والقدس، لأنه منذ 1948 لم تنجح دولة عربية سوى العراق في 1991، أو لم تتجرأ على فعل ما فعلته حماس، وبقيت برغم تعرضها للهجمات الجوية والمدفعية ولتهديدات عبد الناصر بإطلاق الصواريخ، رمزا لدولة اليهود المنيعة.

 

وما أراده عبد الناصر وفعله صدام، نجح فيه الفلسطينيون الآن الذين تغلبوا على العزلة، وأحسنوا الاعتماد على أنفسهم، وفي المنافسة الداخلية بين أعداء (إسرائيل) حطموا الرقم القياسي لـ"حزب الله" في 2006.

ما يعني أنه لا يهم هل سقط الصاروخ الفلسطيني في البحر أو في "بات يام"، أو في حديقة أو "رمات غان"، لأن المهم من جهة نفسية أن الحاجز الوهمي تم اختراقه؛ وفي حرب الاستنزاف يولى العامل النفسي أهمية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالسكان المترددين بين الأمل واليأس.

 

وهو ما يعني أنه بات يوجد في نظر الفلسطينيين وأنصارهم ما يتوقعونه، وهو زيادة الدقة وتطوير منظومات السلاح ورؤوس صواريخ أشد فتكا، وربما مواد قتال كيماوية وبيولوجية أيضا.

 

كما أن توسيع إطلاق الصواريخ إلى مناطق إضافية يعتبر اختراقاً بحسب مصطلحات الجيش، ولذلك منذ الآن يتوجب استعداد مختلف، ويُحتاج لعدد أكبر من بطاريات القبة الحديدية، وجزء آخر من ميزانية الدفاع، أو زيادة التعلق بالمساعدة الأمريكية.

 

وكل ذلك يشير إلى أن العمل العسكري لمواجهة المنظمات المعادية وقادتها أمر صحيح، لكنه يبقى عقيماً ما بقي مقطوعاً عن سياق واسع لهدف سياسي، وطالما أن (إسرائيل) تهرب من هذا الاستحقاق، ستبقى تدور في دوائر مرهقة تُعيدها لنقطة الانطلاق!